تحكي لنا الأسطورة الفرعونية أن إله الصحراء "ست" قتل الاله "أوزيريس" وفرق جسده الى ثلاث عشر قطعة دفنها في أماكن متفرقة من وادي النيل. ولكن الإلهة "ايزيس" أرملة القتيل، استطاعت أن تجمع القطع المدفونة وأن تبعث فيها الحياة مرة أخرى لتلد من زوجها المبعوث الها جديدا هو "حورس".
في ظل سيادة تلك الأسطورة كان الكهنة في مصر القديمة
يتوجون كل ملك جديد طبقا لطقوس سحرية معقدة ترمز الى قصة الزوجين ايزيس و أوزيريس
ومولد ابنهما حورس ليكون ذلك إشهادا كهنوتيا بأن الفرعون الجديد هو أيضا من نسل
الالهة.
وهكذا كان الملك في مصر القديمة معتبرا الها بين
الناس تفصل بينه وبين رعاياه مسافة لا متناهية يضيع فيها العقل وتنقطع خلالها كل علاقة
معقولة بين الحاكم والمحكوم. فيقول علماء تاريخ القانون ان الفرعون كان المثال
الكامل للحاكم الفرد المستبد.
مستبد أولا باتخاذ "القرا" دون الناس
جميعا، ويستشهدون على هذا بنصوص من الكتابات القديمة تثبت أنه لم تكن في مصر كلها إرادة نافذة غير إرادة الملك؛ فهو المشرع الذي يصدر القوانين والاوامر (يضع
الكلمات) وهو المنفذ عن طريق أدواته (اعضائه) من الكتبة وهو القاضي الذي يفصل في الخصومات (يفرق الكلمات).
وهو ثانيا مستبد بمصر كلها فقد كانت مصر كلها تعتبر "مائدة
الملك" لأن مصر كلها كانت مملوكة للفرعون الاله. ولما كانت مصر أكبر مساحة
وأكثر بشرا من أن يستبد بها بنفسه فقد خلف لنا عهد الفراعنة نموذجا فذا في الادارة
المركزية البيروقراطية المستبدة كانت وظيفتها أن تنفذ إرادة فرعون .. وما تزال كل
ادارة مركزية بيروقراطية أداة للاستبداد حتى يومنا هذا.
الدكتور/
عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى
الفصل
الأول: الاستبداد المتخلف ـ صفحتى 31 ــ 32
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق