الأحد، 20 نوفمبر 2016

تفتت الولايات المتحدة الأمريكية

تفتت الولايات المتحدة الأمريكية ووحدة الأمة العربية

الدكتور عصمت سيف الدولة
  المشكلة الشاملة في العالم هي التناقض بين نزوع الشعوب الى الحرية و بين دول كأمريكا و نظم  كالرأسمالية، و سيطرة حضارية أوروبية و احتكام في نهاية المطاف الى القوة (الغرب كافة).
 فكيف تحل؟
 بأن تسترد الشعوب حريتها بازالة نقيضها و لو بالتدرج، أعني ألا تتراجع الشعوب عن هدف الحرية  ولا تتوقف و لا تساوم و لا تسالم مهما طال الزمن فالنصر معقود في النهاية للحرية ضد الاستبداد "بحكم "جدل الانسان" . في هذا الاطار العالمي تعيش أمتنا العربية على وطنها و تتعرض لمثل ما تتعرض له شعوب الأرض و لكنها تعاني من مشكلة "عربية". التناقض بين نزوع الشعب العربي الى الحرية، مثل كل الشعوب، و بين حرمان الشعب العربي من أن يسترد حريته بفعل التجزئة الاقليمية التي تمثلها وتحرسها الدول الاقليمية، فتصبح المشكلة الأولية التي يجب أن تحل كمقدمة لمساهمة الشعب العربي بما يستطيع في حل مشكلة الحرية على المستوى العالمي هي الغاء التجزئة و اقامة دولة الوحدة، و لو بالتدرج. أعني ألا يتراجع عن هدف الوحدة و لا يتوقف و لايساوم و لا يسالم مهما طال الزمن فالنصر معقود في النهاية للوحدة ضد التجزئة، بحكم "جدل الانسان".
***

   تأتي المشكلة الأصل، أم المشاكل التي تعوق و تعطل حل كل المشكلات الأخرى، ان الأمة العربية لا تملك أداة حل أية مشكلة أخرى، لا مشكلة التجزئة و لا مشكلة السيطرة العالمية، لأن القوميين، المرشحين بمواقفهم القومية، لقيادة الشعب العربي الى التحرر من الاقليمية ثم التحرر من السيطرة الأجنبية، ما يزالون أفرادا أو شللا صغيرة، و لم يتوحدوا في تنظيم مقاتل، مناضل، قائد، قدوة، في حين أن وحدة المشكلات تفرض وحدة أداة حلها، بحكم " جدل الانسان" في فاعليته الاجتماعية. فيبدو كل شيء حتى الناس راكدين منقادين لأن القوميين فاشلون في أن يستفيدوا من "جدل الانسان". الذي يقولون أنهم يؤمنون به... المشكلة الأولى و الأولية، وهي أن القوميين يفتقدون التنظيم، الجهاز، الذي يجمعهم ديمقراطيا، لتلقى عليهم كل تلك الأسئلة و غيرها، فيتداولون في حلولها الصحيحة، و يضعون للتصدي لها خططا ممتدة، و يقسمون العمل فيما بينهم، و ينجزون ما يستطيعون، و يصمدون، لا يتوقفون و لا يساومون و لا يسالمون مهما طال الزمن فالنصر معقود في النهاية للقومية بحكم "جدل الانسان" أيضا.
    ان كنت في شك من هذا فانظر حولك.
  شل الذراع الأيسر لقهر الانسان، في الاتحاد السوفياتي،  الذي توقعنا انهياره كمجتمع اشتراكي في عام 1965 (صفحة 132 من كتاب أسس الاشتراكية العربية) و حذرنا الماركسيين من أن منهجهم الخاطئ، "المادية الجدلية" سيؤدي بالتجربة الاشتراكية بالرغم من كل الجهود التي تبذل في بنائها، لأن ذلك المنهج ينكر على الانسان قيادة حركة التطور الاجتماعي و يستبدل به عناصر الحياة المادية. هاهو ينهار بمجرد أن يقدم الغرب الى الانسان السوفييتي "جزرة" الحرية الليبرالية، فيتخذ الانسان السوفييتي من الجزرة المزوقة مدخلا الى حريته المفتقدة، حرية الانتماء القومي،  فيلوذ كل قوم بعضهم ببعض. ويكتشفون، و بقوة الانتماء القومي، أنهم بالرغم من أكثر من قرن من الحياة على الأرض السوفييتية المفتوحة للانتقال و العمل، ما يزالون مقيمين على أرضهم القومية، فلا يحتاج أي قوم الى اعادة تخطيط الحدود، بل يعلنون استقلالهم بما يقيمون عليه، فاذا هم في وطنهم التاريخي قبل أن يغزوه قياصرة الروس. لماذا لم يذوبوا؟ لأن الانتماء القومي رباط اجتماعي أقوى من أي رباط آخر. ثم في جلسة هادئة أتيح فيها للتشيك و السلوفاك تطبيع وجودهم و علاقتهم فتستقل دولة التشيك عن دولة السلاف كل في حدود وطنها القومي التاريخي. ثم تعرض الجزرة على شعوب الدولة الملفقة يوغسلافيا فاذا كل قومية هناك تتشبث بوطنها القومي و يسفح بعضهم دماء بعض هجوما  أو دفاعا عن قرى بناها أجدادهم يوم أن كانوا متميزين قوميا كما هم الآن. ثم بدون قتال تتوحد الأمة الألمانية بعد نحو نصف قرن من التجزئة. و قبلها انتصرت فيتنام فتوحدت قوميا. و قبلها استقلت باكستان عن الهند على أسس دينية، فأصبحت باكستان دولة اسلامية كما يقولون، ذات دستور اسلامي كما يزعمون. و لكنها لم تلبث ان انشقت الى دولتين على أسس قومية، دولة البنغال الاسلامية شرقا، و دولة البنجاب الاسلامية أيضا غربا... و هكذا.
 أولى الحريات التي تفرض ذاتها بعد التحرر هي حرية الانتماء. الانتماء القومي أو حتى الانتماء القبلي وهو ماوراء الصراع الدامي الذي تتخبط فيه الشعوب و القبائل الافريقية. فمنذ الستينات اجتمعت مجموعة من أغبياء القارة و اتخذوا قرار بقطع الطريق على الانتماء بأن قرروا الابقاء على الحدود " الدولية" (حدود الدول) التي أقامها الاستعمار الأروبي. فاستقلت القبائل مجزأة في كل دولة، فلبت كل القبائل في كل دولة نداء الانتماء الى مجتمعها الموزع تعسفا بين الدول، و بدا الصراع و لم يزل. و ما حالة الصومال الا مثلا لمأساة حرمان الناس من الحياة مع من ينتمون اليهم. فقد هزمت الدول الأروبية محاولة حكومة الصومال اعادة الاتصال و الوحدة مع الصوماليين في أوجادين و ثبتت التجزئة، فهاجر ملايين من أوجادين الى حيث ينتمون،  شعب الصومال. فعادوا جميعا الى الصراع القبلي بالرغم من القول بأنهم شعب لأن الصومال دولة و قد قال الفقهاء أن لكل دولة شعبا...
ثم نأتي الى أكبر دولة باغية و ملفقة. الولايات المتحدة الامريكية. انها ليست دولة قومية، و لا دولة شعوبية، و لا دولة قبلية، انها دولة متعددة الاثنيات. فكل نفر من سكانها ينتمي الى أمة أو شعب خارجها. و قد قامت على أساس أن يتولى الأنجلو سكسون البروتستانت البيض صهر بقية القوميات فيهم لغة  و حضارة و مصيرا. ولكن المشروع فشل فشلا ذريعا، باعتراف كل كتاب علم الاجتماع في الولايات المتحدة ، عام 1968، و اضطرت الدولة الفيدرالية الى رد حق كل جماعة اثنية في أن تتكلم لغتها القومية، و تستعملها في مدارسها، و في كنائسها، و أن تكون لها صحفها، و أعيادها، ومجتمعاتها، و أزيائها و كانت ثورة أسميت "الزهرة الطفلة". و قد بقيت الولايات المتحدة الأمريكية في حماية الاتحاد السوفياتي اذ هما حليفان موضوعيا ضد التحرر القومي، فلما شل الذراع الأيسر ضعف الذراع الأيمن و اندلع العنف بين القوميات في الولايات المتحدة الأمريكية يقوده السود و البيض ولأبناء الشوارع و أباطرة الجريمة المنظمة. الولايات المتحدة تترنح، ثم تتردد في الدخول طرفا في الصراعات القومية. فهي مع الوحدة الأروبية و ضد الوحدة الأروبية. و هي مع الصرب و ضد الصرب. و هي مع الصومال و ضد الصومال. انها تتخبط، لأنها غريبة حضاريا عن رابطة الانتماء القومي أو الشعبي أو حتى القبلي. انها لا تفهمها. ثم انها على الطريق الى الغباية الحتمية.
***
 لن أكون أنا موجودا بحكم العمر الذي يجري سريعا. ستكون أنت في أوج نضجك، فاشهد بأني قلت لك: أولا: أن القرن الواحد وعشرين سيكون قرن القوميات. و لن ينتهي الا و كل الدول قومية بشرا ووطنا.
 ثانيا: أنه قبل نهاية الربع الأول من القرن  الواحد و العشرين، ستكون الولايات المتحدة قد تمزقت كدولة الى عدد من دول كل منها قومية، و قد يجمع بينها اتحاد كونفدرالي. و ستكون قد توحدت ايرلندا، وسيكون قد استقل الباسك. و ستكون قد توحدت الأمة العربية بعد صراع دام مريرا عربي ـ عربي، اذا ما استطاع القوميون أن يتوحدوا في تنظيم قومي واحد يفكر و يدبر و يخطط و يحشد و يقود الشعب العربي الى دولته القومية و لو كره الاقليميون.
 اني على يقين من كل هذا.
 لماذا؟
 لأنني أؤمن بجدل الانسان، و هو منهج الفطرة. ومن قبل كان القائد العظيم على يقين من هذا أيضا يوم أن دعا المستعمرات الفرنسية الى الاستقلال ان اختارته. فاختارته.
*****


الاثنين، 14 نوفمبر 2016

دفاع عصمت سيف الدولة عن انتفاضة يناير 1977

دفاع عصمت سيف الدولة عن انتفاضة يناير 1977
" دفاع ممتد "
محمد سيف الدولة

فى عام 1977 قدمت النيابة بناء على تحريات جهاز مباحث امن الدولة 176 متهما الى المحاكمة بعد ان قبضت عليهم ووجهت اليهم حوالى 15 اتهاما يمكن تصنيفها الى تهمتين رئيستين ، الاولى انشاء منظمات غير شرعية تهدف الى قلب نظام الحكم بالقوة ، والثانية هى تحريض الجماهير يومى 18 و19 يناير على التظاهر والتجمهر بهدف اسقاط النظام .
تصدى عدد من كبار المحامين للدفاع عن المتهمين وكلفوا الدكتور عصمت سيف الدولة بالقيام بمسئولية الدفاع الموحد العام فى الشق التحريضى من القضية . وقدم سيف الدولة دفاعه وحكمت المحكمة ببراءة كل المتهمين .
عن هذا الدفاع والمنشور فى كتاب باسم " دفاع عن الشعب " اقدم فيما يلى لمحات عن بعض محاوره :
اولاـ الانقلاب :
اتهم الدفاع الحكومة بالقيام بانقلاب دستورى والخروج عن الشرعية وذلك فيما اتخذته من سياسات على امتداد الفترة من اوائل 1974 وحتى تاريخ الاحداث وحدد هذه السياسات فى الاتى:
·       سياسة الانفتاح الاقتصادى المحددة باصدار القانون رقم 43 لسنة 1974 المعروف باسم " قانون نظام استثمار راس المال العربى والاجنبى والمناطق الحرة " وذلك فى مخالفتها للمقومات الاقتصادية للدولة الواردة فى الدستور والمعبر عنها بالمواد ارقام 1 و 2 و3 و 5 و23  و24 و26 و29و     30و32و34 و35و36و56 و73 و179 و180 . و كذلك ما اسفر عنه هذا القانون من سيطرة الطبقة الراسمالية على الدولة مما يمثل جريمة منصوص عليها فى المادة 98 أ من قانون العقوبات التى تفرض عقوبة الاشغال الشاقة على اى هيئة " ترمى الى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات او القضاء على طبقة اجتماعية او قلب نظم الدولة الاساسية الاجتماعية والسياسية..."و كذلك ما ادى اليه من تبعية اقتصادية الى الولايات المتحدة الامريكية والخضوع لشروط صندوق النقد الدولى.
·       وكذلك ما قامت به الحكومة من توقيع لاتفاقية فض الاشتباك الثانى مع العدو الصهيونى فى اول سبتمبر 1975الذى جاءت ايضا مخالفة للشرعية الدستورية اذ تنص المادة الاولى منها على انه قد وافقت حكومة مصر العربية وحكومة اسرائيل على ان " النزاع بينهما فى الشرق الاوسط لا يتم حله بالقوة وانما بالوسائل السلمية " وتنص المادة الثانيةعلى ان " يتعهد الطرفان بعد استخدام القوة او التهديد بها او الحصار العسكرى فى مواجهة الطرف الآخر" . وهو ما يمثل مخالفة للدستور الاتحادى بين مصر وسوريا وليبيا ، فيما جاء فى مرفقاته من الاتى " قرر الرؤساء الثلاثة بالجماع ما يلى (1) ان تحرير الارض العربية المحتلة هو الهدف الذى ينبغى ان تسخر فى سبيله الامكانات والطاقات (2) انه لاصلح ولا تفاوض ولا تنازل عن اى شبر من الارض العربية (3) انه لاتفريط فى القضية الفلسطينية ولا مساومة عليها .
وهو الدستور الذى طرح وهو ومرفقاته  على الاستفتاء الشعبى فى مصر بتاريخ 17 ابريل 1971 وتمت الموافقة الشعبية عليه ومن يومها اصبح وثيقة ملزمة دستوريا وشرعيا .
·       ثم الخروج الثالث عن الشرعية باصدار القرارات الاقتصادية برفع الاسعار فى 17 يناير 1977 والذى خرجت باطلة من حيث مخالفتها للموازنة الموافق عليها من مجلس الشعب حيث نص الدستور فى مادته رقم 115 انه "يجب عرض مشروع الموازنة على مجلس الشعب ...ولاتعتبر نافذة الا بموافقته "
وبالتالى فانه يترتب على هذا الخروج عن الشرعية من قبل الحكومة انه حتى اذا ثبتت التهم المسندة الى المتهمين بانهم قادوا الجماهير من اجل اسقاط سياسة الانفتاح الاقتصادى واسقاط اتفاقية فض الاشتباك ورفض غلاء الاسعار واسقاط القائمين على الحكم الذين اتخذوا هذه السياسات فانهم لا يكونون بذلك قد خالفوا الشرعية .
***
ثانيا ـ المؤامرة :
اكد الدفاع انه رغم ان الانتفاضة كانت تعبيرا شعبيا عفويا عن الغضب من القرارات الاقتصادية ، الا ان جهاز مباحث امن الدولة استخدمها كذريعة لتصفية القوى الوطنية المعارضة للحكومة والنظام والذى كان يتابع ويترصد حركتها منذ منتصف عام 1973  فقام بضم عدد 7 قضايا مختلفة فى الاعوام 1974 و1975 و1976 وهى قضايا سبق ان قبض فيها على المتهمين وحققت معهم النيابة و افرج عنهم الا انها بقيت فى الصندوق تنتظر اللحظة المناسبة والظرف الملاءم فلما قامت انتفاضة يناير وجدها امن الدولة فرصة لتصفية هؤلاء فطلب من النيابة ضم القضايا القديمة الى  القضية الاساسية الحاملة  رقم 100 لسنة 1977. مما ظهر جليا فى اضطراب التهم وعدم ارتباطها ببعضها البعض ناهيك عن انفصام اى صلة بين معظمها وبين وقائع ما حدث يومى 18 و 19 يناير .
***
ثالثا ـ امن الدولة :
قدم الدفاع للمحكمة احصائية تفصيلية عن نسبة الخطأ او الكذب فى تحريات امن الدولة فى 10 قضايا تم نظرها فى الفترة من 1974 وحتى 1977 . وكان معيار التقييم هو النسبة بين عدد الذين شملتهم بلاغات امن الدولة الى نسبة الذين قدمتهم النيابة فعلا الى المحاكمة . وكانت نسبة الخطأ او الكذب 78 % . وبناء عليه اكد سيف الدولة ان " هذا الجهاز حين يتلقى المعلومات من المصادر ، وحين يدخلها فى التعميمات ، وحين يضيف اليها او يحذف  منها ، وحين يدونها فى السجلات ، وحين يختار منها مايبلغ عنه ، وحين يقدم عن بلاغاته مذكرات ، وحين يبدى ضباطه الاقوال امام المحققين او امام المحاكم ، يكون خاضعا لاوامر سياسية تأتيه من خارجه ولايكون الحرص على الشكل القانونى الا محاولة لستر الاستبداد بقشرة من الاجراءات القانونية " وهو ما يجعل هذا الجهاز وادلته غير جديرين بثقة القضاء .
***
رابعا ـ نفى الادلة :
·       الشاهد الوحيد : طلب الدفاع عدم الاعتداد بكل البلاغات المقدمة الى النيابة والتى تبدأ بعبارة واحدة هى " دلت التحريات ومصادر المعلومات " والتى تعتمد على شهادة شهود مجهولين ومحجوبين عن المحكمة . واستند فى ذلك على شروط الشهادة المقبولة شرعا ، كما استند الى حكم سابق لمحكمة امن الدولة العليا جاء فيه " ان المحكمة لا ترى ان تعرف ضابط واحد بمفرده على اى من المتهمين دليل مقنع على اثبات الاتهام ضده . ولا يبقى بعد ذلك الا التحريات مجهولة المصدر وهى فى مثل ظروف الدعوى لا تستقيم حتى كقرينة قبل اى من المتهمين "
·       الاوراق الخطية :  طالب الدفاع باستبعادها كدليل ادانة لعدد من الاسباب ابرزها هو انها غير معدة " للتوزيع بغير تمييز " وهو شرط التجريم الذى تنص عليه المادتين 171 و 174 من قانون العقوبات
·       كما طالب باستبعاد الصور الضوئية لاى اوراق مقدمة كدليل ادانة وذلك طبقا لما نص عليه القانون المدنى من انها لاتصلح دليلا على مطابقتها للاصل اذا جحدها من تنسب اليه
·       اما عن الكتب المضبوطة فان الدفاع طلب استبعادها على اساس انه لا يوجد نص فى القانون يجرم حائزيها حتى اذا كانت كتبا ممنوعة وانما يقع التجريم فى هذه الحالة على المؤلف و المستورد والطابع والبائع والموزع
·       اما عن الاوراق المطبوعة المنسوبة الى احزاب غير مشروعة فان ضرورة استبعادها تتأتى من ضرورة اثبات وجود هذه الاحزاب اصلا ، واثبات انتماء المتهم لها ، واثبات انه شريك فى اصدار هذه الاوراق على وجه التحديد . هذا بالاضافة الى ان المباحث قدمتها الى المحققين بعد بداية التحقيق ولم تعرض مع المتهم مما يلقى شبهة التلاعب بها او دسها على المتهم على غير الحقيقة وهو ما نظمه قانون الاجراءات الجنائية .
·       الصور الفوتغرافية والتسجيلات : وجه الدفاع ضربة قوية الى هذا النوع من الادلة فنجح فى تحقيق نتيجة ايجابية و هامة ، وهى استبعادها من القضية وكل القضايا المماثلة حيث تحققت سابقة قضائية وهى عدم الاعتداد منذ ذلك الحين باى صور اوتسجيلات لسهولة التلاعب بها . وكان ما فعله د. سيف الدولة انه قدم للمحكمة صورا للهيئة القضائية مستبدلا فيها وجه اعضاء المحكمة بوجهه هو شخصيا . اما عن التسجيلات فقام باعداد وتقديم تسجيل صوتى للعقيد منير محيسن احد شهود القضية بعد ان اعاد تركيب شهادته بحيث تظهر وكانه شاهد نفى وليس شاهد اثبات .
واختتم  د/ سيف الدولة مرافعته بالدفاع عن حق المقاومة الشعبية مستندا الى نصوص من الدستور وقانون العقوبات والشريعة الاسلامية والشريعة المسيحية والمبادىء القانونية .
واصدرت المحكمة حكمها المتقدم بالبراءة .                         ( انتهى )
*****




السبت، 8 أكتوبر 2016

الحرب الاخيره

الحرب الاخيره

الدكتور/ عصمت سيف الدولة

الآن وقد مضى اكثر من عام على حرب اكتوبر 1973 وهدأت الانفعالات الايجابية والسلبية التي اثارها النصر المحدود الذي تحقق . اصبح من الممكن الحديث عن الحرب التي مضت من اجل الحرب القادمة حديثا هادئا وموضوعيا نضعه تحت انظار جميع الاطراف المعنية، ونوجهه الى جماهير أمتنا العربية الاصيلة الغائبة.
***
ما الذي حدث في حرب اكتوبر 1973؟
في الساعة الثانية بعد ظهر يوم 6 اكتوبر 1973 اشتبكت جيوش مصر وسوريا مع جيوش العدو الصهيوني في حرب رابعة اكثر ضراوة من الحروب الثلاثة السابقة (1948- 1956- 1967)  وان كانت تكرارا لها من حيث هي اسلوب . واستطاعت القوة العربية ان تقتحم القناة وان تدمر خط بارليف وان تطارد جند الصهاينة الى ان توقف القتال بناءً على قرار مجلس الامن رقم 338 الصادر في 22 اكتوبر 1973 . وكما حدث من قبل لم يستجب العدو للقرار الى ان كسب أرضا جديدة انسحب منها بعد ذلك نتيجة مساع دبلوماسية ووقف الامر عند الحد الذي هو عليه الان.
***

في خلال تلك الحرب تلقت الدول العربية المحاربة اقصى تأييد ممكن من باقي الدول العربية.  لم تتخلف دولة عربية واحدة عن الاسهام في المعركة بما تستطيع وتقبل . وبلغ التعاون العربي ذروته.  وثبت من كل هذا ان الدول العربية قد اختارت اكثر الظروف ملاءمة لمعركتها الرابعة.  نجحت تماما في بناء قواتها المسلحة وتدريبها وتسليحها فأنزلت بالصهاينة خسائر فادحة وأوقفت التفوق "العسكري الاسرائيلي وحطمت هيئة المؤسسة العسكرية الصهيونية وجرعت الآباء والامهات في اسرائيل كؤوس الاحزان التي كانت حتى ذلك الحين مقصورة على شاربيها من العرب. ونستطيع ان نقول انها دست في افئدة كثير من الاسرائيليين بذور الشك في الحل الصهيوني لمشكلاتهم . ثم انها نجحت تماما في كسب الرأي العام العالمي لمعركتها. الصين معها وتتجاوزها . الكتلة الاشتراكية معها وهو كسب قديم . دول اوروبا الغربية على الحياد عامة وهو كسب كبير.  دول افريقيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل تباعا وهو كسب على اي حال . ولم تبق الا الولايات المتحدة الامريكية التي وضعت ثقلها العسكري في ميزان القوى في ميدان القتال فاعتدل شيئا ما لحساب اسرا ئيل حتى لاذت بحلفها مع الاتحاد السوفيتى تأمران بايقاف اطلاق النار فوقفت النار.  والوضع ان لم يكن في صالح الدول العربية تماما ، فهو في غير صالح اسرائيل على وجه اليقين . وهو كسب جديد للدول العربية بالقياس الى الحروب السابقة.  ونجحت الدول العربية تماما في استثمار العلاقات فيما بينها وبين الدول الاجنبية، فقدمت الدول العربية كل ما استطاعت وقبلت من عون مالي وزادت دول البترول فقررت تخفيض الانتاج وحجبه عن امريكا وهولنده.... والحصيلة النهائية انها كسرت جمود الموقف السابق على 6 اكتوبر 1973 وجعلت من عام 1973 عامها هي بدلا من عام اوروبا فتلقت وعداً مضمونا من الثنائي السوفيتي الامريكي بتطبيق قرار مجلس الامن رقم 242 وما تزال تنتظر الوفاء بالوعد المضمون
في ظل الظروف الدولية والعربية التي وقعت فيها حرب اكتوبر، انتصرت الدول العربية على اسرائيل. انتصرت بمعنى انها خططت واعدت وقاتلت وحققت ما تريد من القتال . وهذا نصر بالنسبة الى صاحبه. انه النصر الممكن منسوبا الى الدول العربية.  وهذا يعني بوضوح انه اذا كان ثمة من لا يرضيهم ما تحقق في ساحة القتال او على المستوى السياسي فان عليهم ان يسلكوا الى ما يريدون طرقا اخرى لا تمر بالدول العربية وقيود الاقليمية التي تكبلها.  ان اي انسان على قدر من الوعي بحقائق الظروف العربية القائمة وبوجه خاص حقائق الاقليمية لا يمكن ان يحمل الدول العربية اكثر مما تحتمل موضوعيا او ان يتوقع منها اكثر مما تستطيع.
والدول العربية في واقعها الاقليمى لا تستطيع الا ان تستثمر امكانياتها المتاحة ماديا وبشريا ودوليا باكبر قدر من الكفاءة . ولا تستطيع ان تحقق من الغايات الا ما يقع في حدود امكانياتها.  سواء كان هذا في ساحة القتال أو في مجال التعاون المتبادل فيما بينها أو في خضم الصراعات الدولية وموازينها الثقيلة.  وقد استثمرت الدول العربية امكانياتها بأكبر قدر من الكفاءة . كفاءتها هي وحققت من الغايات ما يتفق مع تلك الامكانيات الموضوعية والذاتية فلا يمكن ان ينكر عليها احد ـ بحق ـ نصرها الذي تم .
نقول هذا لنؤكد امرا ونطرح امرا ثانيا :
الامر الاول انه لم يحدث من الدول العربية تقصير جسيم كان كفيلاً - لو لم يقع-  بتغيير النتائج النهائية تغييرا كبيرا سواء في ساحة القتال او في النتائج السياسية التي ترتبت عليه.  ان الجزئيات هنا غير ذات اهمية كبيرة في تحديد الصورة النهائية للموقف.  فلا ينبغي أن نتجاهل الموقف العام لنسند الى فرد أو مجموعة من الافراد أو دولة أو مجموعة من الدول اخطاء.  قد تكون صحيحة ولكنها على اي حال ليست حاسمة.  ما وقع كما هو يمثل غاية طاقة الدول العربية المحاربة كما هي في احسن ظروفها.  حتى الدول العربية التي لم تحارب لم يكن موقفها السلبى من القتال المسلح بخلا بأرواح رعاياها ولكنه كان تجسيدا لواقعها الموضوعي . انها ببساطة عاجزة موضوعيا عن القتال المسلح.  وبالتالي لا محل لفتح أبواب الاوهام الاقليمية من جديد.  لو كان فلان غير فلان، لو كان اولئك مكان هؤلاء-  لو وقفت هذه الدول ذلك الموقف لاستطاعت الدول العربية ان تحقق اكثر مما حققت.  ابدا ما كان يمكن تحت اي ظرف ولن يكون ممكنا تحت أي ظرف ان تحقق الدول العربية اكثر مما حققت في ظروفها الدولية القائمة.  لأنها ـ في الواقع ـ قد حققت ما حققت في افضل الظروف توقيتا وتسليحا وقتالا وتعاونا ودبلوماسية .
ان القومية ليست مثالية . والموقف القومي ليس موقفا مثاليا وابعد ما يكون عن الموقف القومي ذلك الموقف المثالي الذي يتوقع من الدول العربية الاقليمية اكثر مما حققت : تحرير فلسطين مثلا او تحدي ارادة الدول الكبرى مثلا آخر... او الا ستمرار في القتال بعد ان صدر اليها امر مجلس الامن مثلا ثالثا... الخ .
ثم يأتي الامر الثاني الذى نطرحه ونتمنى ان يحظى بالعناية من كل الجماهير العربية التي ما تزال تحتفظ بولائها لامتها العربية.
التسوية السلمية التي تتضمن الاعتراف بالوجود الاسرائيلي او بضمان امنها لن تتم . بالرغم من كل المحاولات التي يبذلها المجتمع الدولي عامة وكل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية خاصة وبالرغم من كل النوايا الخفية والمعلنة التي تسعى الى مثل تلك التسوية وبالرغم من كل الاغراءات والانتصارات التي تقدم، او تحققها ثورة الشعب العربي في فلسطين فان الاعتراف بالوجود الاسرائيلي أو ضمان امنها أو فتح المياه العربية لعملها.. الى اخر ما جاء في القرار 242 لن يتم . ان لهذا التأكيد اكثر من سبب وتتصل الاسباب بجميع الاطراف المعنية كما تتصل اساسا بقوى قادرة تماما على ان تحول دون تلك التسوية. وانه لمن مصلحة جميع الاطراف ان يكونوا على يقين من هذا.
الحرب الخامسة اذن قادمة.
قد تشنها اسرائيل تحاول ان تحقق فيها نصرا محدودا يعوض الاثار الداخلية المتردية التي سببتها هزيمتها المحدودة . وقد تشنها دول المواجهة العربية لكسر الجمود السياسي الذي تدفن فيه رويدا رويدا قضية ازالة اثار العدوان . في هذه الحرب المتوقعة ستلقي الدول العربية-  مرة أخرى-  بخلاصة الشباب من أمتنا العربية في أتون المعركة. وستستنزف- مرة أخرى- أغلب الطاقات الاقتصادية المتاحة لتحقيق نصر محدود جديد كل غايته أن يمنح من دماء عشرات الالوف من الشهداء، وعشرات الملايين من الجنيهات "حقنة" تقوية لبعض المتسابقين العرب في مضمار المناورات السياسية. كل غايته أن يغذي اوهام الامل في تحرير فلسطين على ايدي الدول العربية ويمد في حياتها حتى يحين حين الجولة السادسة.
لا.
اني أقولها لكل الذين رخص عندهم الانسان العربي الى الحد الذي يدفعون به الى الحروب لا من اجل النصر لأمته ولكن من اجل تقوية مراكزهم في المساومات الدبلوماسية.  لا.  ان حياة جماهيرنا العربية أغلى بكثير من أن نكون مجرد ورقة في لعبة المناورات السياسية . لا . يكفي الدول العربية ما بددت من طاقات وما أنفقت من أموال وما أهدرت من دماء بحجة أنها تريد تحرير فلسطين . لا . يكفي الدول العربية ما فرضت من قهر على جماهيرنا وما استنزفت من طاقاته وما أقتطعت من قوته بحجة أنها تشتبك في صراع مع الصهيونية من أجل تحرير فلسطين . لا . اننا لا نريد أن تحكم إسرائيل جماهيرنا العربية بطريقة غير مباشرة عن طريق "اعتذار" الدول العربية بالصراع ضد اسرائيل لتغطية ما ترتكبه في حق جماهيرنا العربية من جرائم.
ان من حق شعبنا العربي أن يوقف هذه اللعبة المدمرة والتي كان هو ضحيتها دائما. من حقه أن يحول بكل قوته دون أن تبقى إسرائيل أداة لاستنزاف طاقاته دورياً ، فكلما بنى هدمت ، وكلما نشأ له جيل جديد دخل به حرباً جديدة ، وكلما حاول أن يتقدم توقف ليقاتل معاركه المحدودة . من حق شعبنا العربي أن تكون الحرب الخامسة هي "الحرب الأخيرة" ليتفرغ بعدها لبناء الحياة التقدمية رخاء وحرية .
ان هذا يعني أن تكون غاية " الحرب الأخيرة " ليس مجرد تحريك للقضية على المستوى الدبلوماسي ، ولا إزالة آثار عدوان 1967 ، ولكن استرداد أرض فلسطين للشعب العربي . إذ من وجهة النظر القومية لا نفهم ما يقال له الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني إلا استرداد أرضه المغتصبة . وبمنتهى الوضوح لا  يتم هذا إلا بتصفية دولة اسرائيل ، أما ما يتلو هذا من قضايا فرعية مثل مصير البشر الذين جمعتهم الصهيونية على أرض فلسطين أو كيفية التعايش بين الأديان على الأرض العربية فكلها مشكلات ثانوية أو سهلة الحل وليس في التقاليد العربية ما يحول دون الوقوف منها موقفاً انسانياً وحضارياً . المهم أن تكون الغاية الثانية للحرب الخامسة تصفية " الدولةالمؤسسة " التي تجسد السلطة الدخيلة وتحرم الشعب العربي من دولته التي تجسد سيادته المشروعة على ارضه.
واضح ان اسلوب الدول العربية الذي مارسته منذ سنة 1948 وحقق اقصى عطائه في حرب اكتوبر 1973 لن يحقق تلك الغاية لأسباب موضوعية لا يجدي تجاهلها أو المزاودة عليها. اذن فان تغييراً حاسما وجذريا يجب أن يتحقق في الوطن العربي كشرط سابق للنصر في الحرب الخامسة. أول عناصر هذا التغيير واهمها أن تدخل الجماهيرالعربية ذاتها الحرب الخامسة.  ان تكون صاحبتها جندا وقيادة وان ترسم هي استراتيجيتها وتخوض هي مواقعها التكتيكية وتعبىء هي مواردها وتوظفها في سبيل أن تكون الحرب الخامسة التي هي حربها الاولى، حربها الاخيرة.
ليست هذه دعوة الى ما يسمى حرب التحرير الشعبية . ان حرب التحرير الشعبية مستحيلة على الارض العربية لسبب بسيط هو أن جيوش الدول العربية تحول ـ بالقوة ـ دون حرب التحرير الشعبية ولكنها دعوة الى قيام دولة واحدة جماهيرية تخوض الحرب الخامسة و الاخيرة.  دولة واحدة تضم اقاليم مصر وسورية والاردن وفلسطين . نعم فلسطين . ان هذا هو الاستثمار القومي التقدمي الامثل للاعتراف العالمي بان منظمة تحرير فلسطين هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.  انها الان تملك أن تدخل في وحدة فتصبح فلسطين المحتلة جزءأ من دولة عربية واحدة من حقها تحرير قطعة من ارضها . نقول ان مثل هذه الدولة كفيلة بتحقيق النصر النهائي الحاسم في الحرب الخامسة الاخيرة .  ان هذه الدولة لا تحل فقط مشكلات الموازين الدولية الضاغطة ومشكلات التسليح الاسرائيلي الكثيف ، بل ستحل ايضا مشكله " الناس " الذين سيتخلفون على الارض العربية بعد تصفية دولة اسرائيل ، ولن يكون حل مشكلاتهم حينئذ على حساب الشعب العربي الفلسطيني وحده .
ضد هذه الدعوة ستقدم الدول العربية وأجهزتها الاعلامية مئات الحجج من اول الحساسيات الشخصية الى ضرورة أن تسبق الوحدة دراسات متأنية لاثارها على التجارة والنقد ومناهج التعليم والنظم الاقتصادية... الخ . عندئذ تتبين الجماهير العربية حقيقة موازين الدول العربية.  ليس لدى الدول العربية مانع من أن تقاتل بأبناء أمتنا عشرين سنة في معارك محدودة النصر محدودة الهزيمة، وتستنزف طاقاته عاما بعد عام وتحكمه بحجة تحرير فلسطين . ولكن لديها موانع كثيرة من أن تفتح حدودها وتستغني عن مقاعد السلطة فيها وتقبل " هزة " في نظمها التجارية وسعر عملتها ولو من أجل النصر النهائي على الصهيونية.  ليس لدى حكام العرب مانع من أن يموت من كل جيل عربي عشرات الالوف من الشباب ، وان يسخر عائد الانتاج العربي في شراء الاسلحة، وان يجوع الشعب العربي ويقهر سياسيا واقتصاديا وفكريا من اجل تحرير فلسطين، ولكن لديهم ألف مانع من أن يفقدوا مراكزهم كحاكمين ولو كان ذلك هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين .
لا.
فلتقل الدول العربية ما تشاء فان دعوتنا ليست موجهة إليها . انها دعوة الى الجماهير العربية في أن تختار بين حروب محدودة متكررة كل عشر سنوات أو اقل أو بين حرب أخيرة تتفرغ بعدها لحياة الحرية والرخاء. ان تختار بين الوحدة وبين التجزئة بين القومية وبين الاقليمية.  وهي اذ تختار انما تختار بين النصر والهزيمة. فلتختر الجماهير العربية الوحدة ، طريق النصر، من أجل أن تكون الحرب الخامسة هي الحرب الاخيرة .
*****



20 يناير 1975