السبت، 5 نوفمبر 2022

النهى عن الاستبداد

 ان القرآن قد أنهى الاستبداد بأن كان دستورا مكتوبا ملزما للناس كافة حاكمين ومحكومين وهذا هو ما يعنيه على وجه الدقة التعبير الحديث "المساواة أمام القانون" أو "سيادة القانون" وهو ما لم تعرفه البشرية قبل القرآن:

إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (النساء 105)

فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه (المائدة: 48)

((وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ)) ـ (المائدة: 49)

((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) ـ (المائدة: 45)

((ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) ـ (الممتحنة: 10)

في هذه الآيات البينات أحكام عدة منها أن محمد بن عبد الله، الصادق، الأمين، النبي، الرسول، القائد... مأمور، مثله مثل غيره من عامة المسلمين، بالتزام الدستور القرآني. ليس مباحا لأحد، ولو كان الرسول نفسه، أن يستعلي أو يستثنى أو يخرج عن القواعد العامة التي تحكم العلاقات بين الناس كافة.

***

انتهى الاستبداد المتخلف فلم يعد لأحد الحكم والحكمة لأنه رب أسرة أو عشيرة أو قبيلة أو كاهن أو ملك متأله. وبعد القرآن انقطع الوحي فغلقت أبواب الاستبداد أمام الذين يزعمون لأنفسهم مقدرة خاصة على استلهام القرارات لا أحد يدري كيف ومن أين. وإن زعموا فهو كفر صريح.

بعد أن جرد القرآن الحاكمين من المقدرة على الاستبداد بالتشريع وألزمهم أحكامه المقدرّة وساوى بينهم وبين المحكومين في الواقع لقواعد عامة مكتوبة منشورة ومعروفة سلفا، على الوجه الذي انتهت اليه البشرية أو كادت، تجاوز ما انتهت اليه البشرية بأن أمر المسلمين بحراسة دستورهم والدفاع عنه ضد استبداد الحاكمين ولو بالقوة.

وكان ذلك على درجات:

فأولا حملهم مسئولية ما يصيبهم من استبداد وحرم عليهم التواكل ورجاء الانقاذ عن غير أنفسهم:

((لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ)) ـ (الرعد: 11)

((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) ـ (هود: 117)

ثم أمرهم بالتصدي ايجابيا للاستبداد والمستبدين:

((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)) ـ (آل عمران : 104).

وحرم عليهم قبول الظلم والاستبداد أو الصبر عليه وأنذر الذين يقبلون الظلم بمثل جزاء الظالمين فحرض المظلومين آمرا بالمقاومة:

((انَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)) ـ  (النساء: 97)

وضرب لهم أمثلة من المقاومة المباحة. أبسطها مواجهة المستبدين بالاحتجاج والنقد الذي قد يصل إلى درجة القذف أو السب، ليس سرا من وراء ظهر المستبد وخفية عن عيونه، فتلك غيبة جبانة حرمها القرآن، ولكن جهرا وعلنا في مواجهته:

((لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ )) ـ (النساء: 148).

اللافت في الآية أنها لا تكتفي باباحة نقد الحكام المستبدين نقدا علنيا ولو بالقول السيئ بل تقول ان الله يحب أن يفعل المظلومون هذا.

وتترقى درجات المقاومة المأمور بها في القرآن أي المشروعة طبقا للدستور القرآني، الى أن تصل الى حد القتال ضد المستبدين دفعا لظلمهم سواء كان الظلم واقعا على النفس أو على الغير. والقتال دفعا للاستبداد الواقع على الغير أولى بالانتباه إذ أنه ليس دفاعا عن الغير ولكن دفاعا عن الدستور القرآني ودفعا للاستبداد ذاته. فقد لا يكون الاستبداد الواقع على الغير ضارا بنفس المأمور بالقتال أو ماله، ومع ذلك عليه ان يقاتل من أجل الا يقوم الاستبداد فقد لا يكون الاستبداد أصلا سواء لحق به ظلم أم لم يلحق فإن لكل فرد مصلحة شخصية في ألا يقوم الاستبداد.

 ((وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا )) ـ (النساء: 75)

((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ)) ـ (الحجرات: 9).

لم يقل الى أن تفيء الى أمر الفئة الأخرى إذ ليس الأمر أمر فض منازعة ذات طرفين ولكن قال الى أن تفيء الى أمر الله أي الى أن تلتزم قواعد الدستور القرآني، لأن الأمر أمر سيادة قانون يرد الباغي الى طاعته ولو بالقوة وليس أمر سلام اجتماعي بين الناس ولو على حساب الدستور القرآني.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى 1980

الفصل الأول ـ الصفحات 34 ــ 36

الأحد، 30 أكتوبر 2022

الاستبداد جريمة يعاقب عليها القانون

 بظهور وقبول مبدأ "سيادة القانون" تنتهي مرحلة الاستبداد المتخلف ولكن لا ينتهي تاريخ الاستبداد.

في مرحلة ما قبل "سيادة القانون" كان الاستبداد المتخلف قائما على أساس الاّ ضرورة لوجود قانون أصلا. تغني عن وجوده العلاقة الاسرية أو حكمة رجال الدين والامراء الذين يمثلون جميعا كلمة " الله " في الأرض ثم يسترون استبدادهم بالحق الإلهي او العناية الإلهية.

اما مرحلة ما بعد "سيادة القانون" فان الاستبداد يقوم داخل مجتمعات علاقات الناس فيها مصوغة في نظام قانوني يتضمن مجموعة كبيرة ومتنوعة من القواعد العامة الآمرة الناهية المكملة المفسرة تتدرج في قوتها الملزمة من أول اللوائح الادارية الى قمة الدستور. وتتضمن تلك القواعد جزاء جنائيا قد يصل إلى حد الاعدام او مدنيا يصل إلى حد نزع الملكية او اجرائيا يصل الى حد بطلان الارادة. وتقوم في المجتمعات سلطة لها حق ايقاع الجزاء أو ضمان نفاذ القانون، بالاكراه اذا لزم الامر. هنا تكون كل تصرفات الاشخاص، كل الاشخاص، الطبيعيين والاعتباريين محكومة بالقواعد القانونية التي تضبط هذه التصرفات. ولا يكون شخص، اي شخص، فوق القانون، بمعنى ان يكون مباحا له مخالفة القانون بدون التعرض لجزائه...

وفي ظل "سيادة القانون" لا يعتبر خرق القانون استبدادا كما قد يتبادر الى الذهن. الحاكم الذي يخرق دستورا قائما ليعود الى لعب دور رب الاسرة أو إلى استلهام القرارات من وحي السماء لا يعتبر في ظل "سيادة القانون" حاكما مستبدا. انه مجرم. وتحتفظ القوانين عادة باسم فظيع لجرائم خرق الدستور: الخيانة العظمى. ويرتب عليها القانون عقوبات جسيمة على رأسها الاعدام. ذلك لان "سيادة القانون" لا تعني ان القانون لا يخرق أو أنه غير قابل للخرق. بل هو يخرق كل يوم في كل مجتمع. يخرقه المجرمون. وكل نظام قانوني يتضمن مجموعة من القواعد القانونية الخاصة بتنظيم ضبط الجرائم وتحقيقها ومحاكمة مرتكبيها وتوقيع العقوبات عليهم غرامة او حبسا او سجنا او اشغالا شاقة او إعداما. ولا يقال عن احد من هؤلاء " مستبد " بل يقال مجرم اثيم.

والواقع اننا عندما نكون في مواجهة حاكم او جماعة من الحاكمين لا يلتزمون القانون السائد في المجتمع الذي يحكمونه، ويستمدون سلطتهم من قوتهم الباطشة او من قوة باطشة يحكمون لحسابها لا نكون في مواجهة "استبداد" بل نكون في مواجهة خروج اجرامي على القانون. نكون في مواجهة قوة مادية مؤثمة.

يقول فقيها القانون الدستوري "بارتلمي" و "دوزان" حل تلك المشكلة قد سبق اليه "لوك" في كتابه عن" الحكومة المدنية" عندما تحدث عن مبدأ الثورات فقال: "ان الذي يستعمل القوة اولا ضد أحكام القانون يضع نفسه بهذا في حالة حرب مع المعتدى عليه. ومن هنا فان كل الروابط والالتزامات تقطع. ويسقط كل حق الا حق الدفاع عن النفس. ويصبح الشعب هو الحكم فيما اذا كانت الحكومة التي ولاها السلطة قد اعتدت عليه ام لا " (مطول القانون الدستوري ــ 1933).

ويقول جان دابان في كتابه "الدولة والسلطة": "عندما يتصرف الحاكمون تصرفا يناقض غاية الدولة او يسيئون استعمال سلطاتهم الدستورية لا يكون من حقهم ان يظلوا حكاما ويتعين عزلهم من وظائفهم ولو بالقوة اذا لزم الامر. ولا يهم الا يكون في القانون الوضعي اعتراف بهذه الحقوق الطبيعية ". وبمثل هذا يقول فقهاء القانون هوربو، وجيني، وبوردو، و واهرنج، وكبير فقهاء القانون الجنائي جارو الذي قال: " ان ما يكون جريمة مقاومة السلطة هو عصيان القانون ومخالفته. وليست القوة التي تستعمل ضد رجال السلطة الا الأداة الخارجية التي تظهر من خلال ذلك العصيان وتلك المخالفة. فاذا ما حدث ان لم يكن تصرف الموظف العام تنفيذا للقانون سواء بخروجه عن حدود وظيفته او باساءة استعمالها، فانه يرتكب عملا تحكميا للاضرار بالمواطن ويكون الاخير، اذا ما قاومه، لا يقاوم نفاذ القانون بل يقاوم خرقه " (مطول القانون الجنائي ـ الجزء الثاني).

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى

فصل الاستبداد المتخلف ـ الصفحات 45 ــ 47

الجمعة، 21 أكتوبر 2022

ردا على أنصار الاستبداد

 حاول أنصار الاستبداد فى بعض الأقطار العربية، توظيف النقد الذى وجهه الدكتور عصمت فى كتابه للنظام الليبرالى، والذى أسماه بالاستبداد المتحضر، لتبرير ومباركة اجراءات الثورات المضادة فى العصف بكل المكتسبات الديمقراطية التى حققتها الشعوب فى الثورات العربية.

 ولذلك ننشر السطور التالية التى يحرض فى ذات الكتاب، الشعوب على الدفاع عن كل مكسب أو خطوة نحو الديمقراطية مهما كانت صغيرة.  

***

فى مجتمعاتنا النامية لا يكون السؤال الاساسي هو: هل ثمة نظام ديموقراطي؟

بل يكون: هل نحن نتقدم نحو نظام ديموقراطي؟

بحيث يكون النظام الديموقراطي مثلا أعلى يوجه ويقود جهد البشر

وتكون كل خطوة فكرية أو قانونية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية تحرر الشعب من التخلف الديموقراطي هي خطوة ديموقراطية نحو النظام الديموقراطي.

وتكون كل ردة فكرية أو قانونية أو سياسية أو اقتصادية او اجتماعية او تربوية عما اكتسبه الشعب فعلا هو هدم وتدمير وانهيار في بناء الديموقراطية غير المكتمل يعود بالشعب إلى بداية الطريق ليدفع ــ مجددا ــ ثمن التقدم نحو الديموقراطية، كأنه #تنتالوس ملك فريحيا الذي تقول عنه الأسطورة الاغريقية انه لم يطع الاله زيوس فجازاه بأن سلط عليه ظلما شديدا فوضعه وسط بحيرة ينحسر ماؤها كلما هم بشربه وعلق فوق رأسه أغصانا ثقيلة بالفاكهة تبتعد عنه كلما حاول الوصول اليها. وانه حقا لظلم شديد للشعوب النامية أن تحمل عبء إعادة تجربة البشرية كلها كأن البشرية لم تدفع أثمانا باهظة لدفن الاشكال المنحطة والبدائية من الاستبداد في مزبلة التاريخ.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى 1980

الباب الأول: الاستبداد المتخلف ـ صفحة 23

 

الجمعة، 30 سبتمبر 2022

ميراث العبودية

 أغلبية الناس في المجتمعات النامية ومنها مجتمعنا العربي لا يعون حقوقهم، وان وعوها لا يمارسوها ان بقيت ولا يفتقدوها ان الغيت ولا يدافعون عنها في أي حال. ولا يزالون كعهد أجدادهم يسلكون الى غاياتهم مسالك الزلفى ويجتنبون الاستبداد بالسكوت أو الدعاء. انه ميراث عهود طويلة من العبودية دربتهم على الخوف حتى أصبحوا بشرا خائفين.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى

 فصل الاستبداد المتخلف ــ صفحة 23

السبت، 24 سبتمبر 2022

الاستبداد ظاهرة تعويضية

 في عام 1950 تشكلت في الولايات المتحدة الأميركية لجنة علمية برئاسة "تيودور أدورنو" لدراسة "الشخصية المستبدة" وقد انتهت الى أن "الاستبداد" ظاهرة تعويضية.

قالت أن "الشخصية المستبدة " تتوفر ــ بشكل عام ــ في الأشخاص فاقدي الثقة بأنفسهم، الذين لم ينجحوا أبدا في تكوين شخصياتهم تكوينا متكاملا مستقرا. يدفعهم هذا النقص الذي يعرفونه من انفسهم الى محاولة تعويضه في العالم الخارجي. ويصبح فرض الاستقرار على الوضع الاجتماعي القائم هو التعويض عن عدم استقرار شخصياتهم. فهم عندما يستعملون العنف ضد أية محاولة تغيير اجتماعي دفاعاً عن استقرار النظام القائم يدافعون في الحقيقة عن ذواتهم التي تفتقد الاستقرار النفسي. ويؤدي كل هذا الى نزوع عدواني مختلط بكراهية ضد كل من لا يوافقهم في الرأي أو كل من يتميز عنهم خاصة أولئك الذين يتميزون بالمبادئ والقيم التي تشكك في سلامة النظام الاجتماعي أو تتطلع الى تطويره. من هنا ــ تقول اللجنة ــ ينحاز المستبدون دائما الى القوى المحافظة الرجعية اذا لم تكن ثمة مخاطر تهدد النظام بالتغيير فاذا ظهرت تلك المخاطر فان نزوعهم العدواني يصبح أكثر شراسة ويتحولون مباشرة الى "فاشست " وهم عندما ينشئون احزابا فإما أن تكون احزابا ارهابية واما أن تكون مكونة من الامعات من الناس ضعاف الشخصية.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى

الفصل الأول: الاستبداد المتخلف ـ صفحة 29

 

السبت، 17 سبتمبر 2022

الفرعون

 تحكي لنا الأسطورة الفرعونية أن إله الصحراء "ست" قتل الاله "أوزيريس" وفرق جسده الى ثلاث عشر قطعة دفنها في أماكن متفرقة من وادي النيل. ولكن الإلهة "ايزيس" أرملة القتيل، استطاعت أن تجمع القطع المدفونة وأن تبعث فيها الحياة مرة أخرى لتلد من زوجها المبعوث الها جديدا هو "حورس".

في ظل سيادة تلك الأسطورة كان الكهنة في مصر القديمة يتوجون كل ملك جديد طبقا لطقوس سحرية معقدة ترمز الى قصة الزوجين ايزيس و أوزيريس ومولد ابنهما حورس ليكون ذلك إشهادا كهنوتيا بأن الفرعون الجديد هو أيضا من نسل الالهة.

وهكذا كان الملك في مصر القديمة معتبرا الها بين الناس تفصل بينه وبين رعاياه مسافة لا متناهية يضيع فيها العقل وتنقطع خلالها كل علاقة معقولة بين الحاكم والمحكوم. فيقول علماء تاريخ القانون ان الفرعون كان المثال الكامل للحاكم الفرد المستبد.

مستبد أولا باتخاذ "القرا" دون الناس جميعا، ويستشهدون على هذا بنصوص من الكتابات القديمة تثبت أنه لم تكن في مصر كلها إرادة نافذة غير إرادة الملك؛ فهو المشرع الذي يصدر القوانين والاوامر (يضع الكلمات) وهو المنفذ عن طريق أدواته (اعضائه) من الكتبة وهو القاضي الذي يفصل في الخصومات (يفرق الكلمات).

وهو ثانيا مستبد بمصر كلها فقد كانت مصر كلها تعتبر "مائدة الملك" لأن مصر كلها كانت مملوكة للفرعون الاله. ولما كانت مصر أكبر مساحة وأكثر بشرا من أن يستبد بها بنفسه فقد خلف لنا عهد الفراعنة نموذجا فذا في الادارة المركزية البيروقراطية المستبدة كانت وظيفتها أن تنفذ إرادة فرعون .. وما تزال كل ادارة مركزية بيروقراطية أداة للاستبداد حتى يومنا هذا.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى

الفصل الأول: الاستبداد المتخلف ـ صفحتى 31 ــ 32

 

السبت، 10 سبتمبر 2022

المستبد المتأله

مرت البشرية بطور من الاستبداد كان مصدر "القرار" الذي ينصب على المجتمع ويمس حياة كل فرد فيه، إلها أو مجموعة من الآلهة تنطق بقراراتها على ألسنة الملوك او الكهنة أو السحرة. والقرارات الالهية غير قابلة للمناقشة أو النقض وواجبة الطاعة كما هي ولو كانت صادرة من آلهة المجون والعبث كما كان بعض آلهة الاغريق .. انه استبداد يأتي هابطا على البشر من فوق العقل الانساني بل قد لا يكفيه افتراس العقول فيفترس الأجسام قرابين من البشر.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى 1980

 الفصل الأول: الاستبداد المتخلف ــ صفحة 31