الجمعة، 30 سبتمبر 2022

ميراث العبودية

 أغلبية الناس في المجتمعات النامية ومنها مجتمعنا العربي لا يعون حقوقهم، وان وعوها لا يمارسوها ان بقيت ولا يفتقدوها ان الغيت ولا يدافعون عنها في أي حال. ولا يزالون كعهد أجدادهم يسلكون الى غاياتهم مسالك الزلفى ويجتنبون الاستبداد بالسكوت أو الدعاء. انه ميراث عهود طويلة من العبودية دربتهم على الخوف حتى أصبحوا بشرا خائفين.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى

 فصل الاستبداد المتخلف ــ صفحة 23

السبت، 24 سبتمبر 2022

الاستبداد ظاهرة تعويضية

 في عام 1950 تشكلت في الولايات المتحدة الأميركية لجنة علمية برئاسة "تيودور أدورنو" لدراسة "الشخصية المستبدة" وقد انتهت الى أن "الاستبداد" ظاهرة تعويضية.

قالت أن "الشخصية المستبدة " تتوفر ــ بشكل عام ــ في الأشخاص فاقدي الثقة بأنفسهم، الذين لم ينجحوا أبدا في تكوين شخصياتهم تكوينا متكاملا مستقرا. يدفعهم هذا النقص الذي يعرفونه من انفسهم الى محاولة تعويضه في العالم الخارجي. ويصبح فرض الاستقرار على الوضع الاجتماعي القائم هو التعويض عن عدم استقرار شخصياتهم. فهم عندما يستعملون العنف ضد أية محاولة تغيير اجتماعي دفاعاً عن استقرار النظام القائم يدافعون في الحقيقة عن ذواتهم التي تفتقد الاستقرار النفسي. ويؤدي كل هذا الى نزوع عدواني مختلط بكراهية ضد كل من لا يوافقهم في الرأي أو كل من يتميز عنهم خاصة أولئك الذين يتميزون بالمبادئ والقيم التي تشكك في سلامة النظام الاجتماعي أو تتطلع الى تطويره. من هنا ــ تقول اللجنة ــ ينحاز المستبدون دائما الى القوى المحافظة الرجعية اذا لم تكن ثمة مخاطر تهدد النظام بالتغيير فاذا ظهرت تلك المخاطر فان نزوعهم العدواني يصبح أكثر شراسة ويتحولون مباشرة الى "فاشست " وهم عندما ينشئون احزابا فإما أن تكون احزابا ارهابية واما أن تكون مكونة من الامعات من الناس ضعاف الشخصية.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى

الفصل الأول: الاستبداد المتخلف ـ صفحة 29

 

السبت، 17 سبتمبر 2022

الفرعون

 تحكي لنا الأسطورة الفرعونية أن إله الصحراء "ست" قتل الاله "أوزيريس" وفرق جسده الى ثلاث عشر قطعة دفنها في أماكن متفرقة من وادي النيل. ولكن الإلهة "ايزيس" أرملة القتيل، استطاعت أن تجمع القطع المدفونة وأن تبعث فيها الحياة مرة أخرى لتلد من زوجها المبعوث الها جديدا هو "حورس".

في ظل سيادة تلك الأسطورة كان الكهنة في مصر القديمة يتوجون كل ملك جديد طبقا لطقوس سحرية معقدة ترمز الى قصة الزوجين ايزيس و أوزيريس ومولد ابنهما حورس ليكون ذلك إشهادا كهنوتيا بأن الفرعون الجديد هو أيضا من نسل الالهة.

وهكذا كان الملك في مصر القديمة معتبرا الها بين الناس تفصل بينه وبين رعاياه مسافة لا متناهية يضيع فيها العقل وتنقطع خلالها كل علاقة معقولة بين الحاكم والمحكوم. فيقول علماء تاريخ القانون ان الفرعون كان المثال الكامل للحاكم الفرد المستبد.

مستبد أولا باتخاذ "القرا" دون الناس جميعا، ويستشهدون على هذا بنصوص من الكتابات القديمة تثبت أنه لم تكن في مصر كلها إرادة نافذة غير إرادة الملك؛ فهو المشرع الذي يصدر القوانين والاوامر (يضع الكلمات) وهو المنفذ عن طريق أدواته (اعضائه) من الكتبة وهو القاضي الذي يفصل في الخصومات (يفرق الكلمات).

وهو ثانيا مستبد بمصر كلها فقد كانت مصر كلها تعتبر "مائدة الملك" لأن مصر كلها كانت مملوكة للفرعون الاله. ولما كانت مصر أكبر مساحة وأكثر بشرا من أن يستبد بها بنفسه فقد خلف لنا عهد الفراعنة نموذجا فذا في الادارة المركزية البيروقراطية المستبدة كانت وظيفتها أن تنفذ إرادة فرعون .. وما تزال كل ادارة مركزية بيروقراطية أداة للاستبداد حتى يومنا هذا.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى

الفصل الأول: الاستبداد المتخلف ـ صفحتى 31 ــ 32

 

السبت، 10 سبتمبر 2022

المستبد المتأله

مرت البشرية بطور من الاستبداد كان مصدر "القرار" الذي ينصب على المجتمع ويمس حياة كل فرد فيه، إلها أو مجموعة من الآلهة تنطق بقراراتها على ألسنة الملوك او الكهنة أو السحرة. والقرارات الالهية غير قابلة للمناقشة أو النقض وواجبة الطاعة كما هي ولو كانت صادرة من آلهة المجون والعبث كما كان بعض آلهة الاغريق .. انه استبداد يأتي هابطا على البشر من فوق العقل الانساني بل قد لا يكفيه افتراس العقول فيفترس الأجسام قرابين من البشر.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ـ كتاب الاستبداد الديمقراطى 1980

 الفصل الأول: الاستبداد المتخلف ــ صفحة 31 

الجمعة، 2 سبتمبر 2022

رب الأسرة كنظام حكم

 يكفي أن نتصور شخصا يجد نفسه، صدفة، رب أسرة فاذا بكل ما تملك الأسرة تحت تصرفه، واذا بكل من في الأسرة من بشر تحت أمره. واذا به هو وحده الذي يفكر ويدبر ويأمر وينفذ ولا يقول الآخرون الا "آمين"، ولا يفعل الآخرون الا ما يؤمرون.

علميا سيتوقف نموه الفكري عند البداية لأن عقله لن يجد غذاء الا اجترارا لما اكتسب في المرحلة السابقة، ما دام قد حرمه الاستبداد من ناحيته والصمت او النفاق من ناحية الآخرين من أن يعرف ما قد يكون من قصور أو خطأ في فكره. وهو لا يعرفه الا بالحوار، بالنقد، بالمعارضة، التي تنقل الى عقله ما يعرفه الآخرون فتغذيه علما وتنميه فكرا وتغنيه معرفة. ومع تدفق الحياة بمعضلات ومعطيات جديدة كل يوم، تحتاج مواجهتها الى علم ومعرفة جديدة حرمه الاستبداد منها. يدخل "رب الأسرة" من باب الاستبداد الى ظلمات الجهل فيصبح مستبدا جاهلا. ومع ذلك فان النظام ذاته يفرض على أفراد الأسرة أن يؤدوا ــ بطرق شتى ــ طقوس الاشادة بعقله وحكمته ومعرفته. وقد يصل الأمر الى حد الاقرار له بالعصمة أو عبادته. وتلك درجات ظاهرة من ادعاء الكمال تعويضا متدرجا للنقص الخفي.

ويقيم كل هذا حاجزا عقليا ونفسيا وعاطفيا بينه وبين رعاياه فيعيش في عزلة وحيدا ولو كان فوق أسرته. فتجتمع له من الجهل والتعظيم والعزلة كل أسباب المرض الذي يسمونه "جنون العظمة" (البارانويا) .. ولن يكون غريبا حينئذ أن تصدر عنه أغرب التصرفات وأن تصدر عنه أغرب القرارات. سيكون الغريب حقاً أن يهمس أحد أفراد الأسرة في أذن فرد آخر متسائلا: ماذا جرى لرب أسرتنا لقد بدأ عاقلا؟ ولمن يستغرب شيئا من هذا ان يتذكر رجالا في قارتنا (أفريقيا) بدأوا حكاما ثم انتهوا إلى ارباب أسر فأصبحوا مخبولين. نموذجهم "الامبراطور بوكاسا". ليس غريبا على أي حال أن يكون الاستبداد ذهانا أو حالة عقلية.

الدكتور/ عصمت سيف الدولة ــ كتاب الاستبداد الديمقراطى 1980

الفصل الأول: الاستبداد المتخلف صفحتى 27 ــ 28